الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة فيلم "الآن وهنا" لعبد الله شامخ: شاعريّة الفضاء التونسي في مواجهة التشدد الديني

نشر في  18 سبتمبر 2014  (12:56)

ضمن فعاليّات أيّام السينما الأوروبيّة تمّ عرض فيلمين وثائقيّين واحد قصير والآخر طويل، وذلك يوم الأربعاء 17 سبتمبر 2014 بقاعة سينما المونديال بتونس العاصمة. الفيلم الأوّل "الآن وهنا" لعبد اللّه الشامخ من تونس، والثاني للمخرج التشيكي ميروسلاف نوفاك من جمهوريّة التشيك بعنوان "السلام مع الفقمات".

فيلم "الآن وهنا": قصيدة نثرية 

يوثق الفيلم الممتدّ على 15 دقيقة تقريبا لتجربة تشكيليّة للفنّان التونسي محمود شلبي بمعيّة فنّانين تونسيّين آخرين. تجربة تمثّلت في اجتماع فنّانين من تجارب مختلفة لرسم لوحة ومعرض جماعيّين تعبيرا عن رفضهم ومقاومتهم للفكر المتشدّد الديني الذّي حاول أن يغزو البلاد، خاصّة بعد حادثة قصر العبدليّة. تنشيط تشكيليٌّ احتضنه فضاء "صديقة" للفنون بقمرت، ضمن مبادرة ثقافيّة بعنوان "أنوار تونس".

 وبالرغم من الطابع الارتجالي الذّي طغى على فكرة انجاز الفيلم في بدايته إلاّ أنّ المخرج عبد اللّه الشامخ نجح في تطويع الصورة وضخّها بكثير من المجازات وانتقل من المنحى السياسي للمبادرة إلى آخر جماليّ. انتقلت الكاميرا بين أروقة الفضاء وتغلغلت في أشكاله اللّغويّة، القيميّة، التشكيليّة والحميميّة لتعبر عن "أنا" وهوية تونسية بحتة و"هنا" يجسد خصوصية الفضاء التونسي بكل ما يحمله من ميزات. ما يشدّك في الفيلم طابعه الاختزاليّ وابتعاده عن الاسهاب وغدا مكثّفا، ويمكن اعتباره "قصيدة نثر" سينمائيّة بامتياز، بما يحمله من صور متعدّدة ومجازات.

فيلم "السلام مع الفقمات" : صرخة فقمة في وجه الشرّ الانسانيّ

فيلم انتاج تشيكي ايطالي مشترك لسنة 2007 ويمتدّ على 86 دقيقة. ويطرح مسألة الخطر البيئي على الفقمة الناسكة، وهي كائنات تعيش على بعض سواحل الأبيض المتوسّط.

الفقمة كمحمل لنقد التصرّفات الانسانيّة تجاه البيئة.

يرصد الفيلم علاقة الفقمة بالانسان منذ بدايات القرن العشرين إلى الآن. وكيف استولى الانسان على مناطق عيش هذه الحيوانات ممّا ساهم في تهديدها بالانقراض من سواحل المتوسّط خاصّة في جزيرة ساردينيا الايطاليّة. وكيفيّة تحوّل علاقة التعايش بين الفقمة والانسان إلى عمليّة ابادة لها انطلاقا من مرحلة الاشتراك في ملكيّة الشواطئ، مرورا باستعمار الانسان لمناطقها إلى استغلالها في الحروب.

الفيلم مراوحة بين شهادات لسكّان جزيرة ساردينيا وعلماء مختصّين رصدوا تطوّر أعداد الفقمة واختفاءها من عديد الدول المتوسطيّة. ايطاليا، تشيك، تركيا وحتّى جزيرة جالطة التونسيّة. وربّما عبارة الزعيم الفاشي موسيلّيني والتّي دمجها المخرج في فيلمه "نحنُ فاشيّون" لدليل على وحشيّة الانسان مع هذه الفقمات، والتّي صارت معروضة في حدائق الحيوانات بعد أن انتهكت حميميّتها في الطبيعة.

ما يشدّك في العمل وضوع السيناريو وانسيابيّته، فقد عمد المخرج إلى عنونة كلّ مرحلة في تطوّر علاقة الفقمة مع الانسان إلى حدّ مرحلة "ترويضها" في سواحل ناميبيا. بالإضافة إلى قصر الشهادات ودعمها بصور وثائقيّة أخرى. وكان اختيار الأمثلة ناجحا خاصّة قصّة فقمة  نزيلة حديقة الحيوان ببراغ  تاهت، وكيف أنّ "الحريّة قتلتها" بعد أن أضاعت طريق الرجوع. كما تمّ سرد قصّة الفقمة فديريكو الذّي ألهم المخرج الايطالي فلّيني عند اعداده لفيلم " حياة حلوة Dolce Vita". باختصار يبرز الفيلم أنّ "الانسان سرطان الأرض" من خلال علاقته بالفقمة.

فيلمان جديران بالمشاهدة واختيار يُحسبُ للجنة التنظيم، رغم قلّة الجمهور المواكب لفعاليّات الأيّام في يومه الثاني.

شوقي البرنوصي